بسم الله الرحمن الرحيم

رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ

 

مقدمــة

الحمد لله الذي أودع في كل آية من  آيات كتابه أسراراً لا تُحصى وعجائبَ لا تـنقضي ومعجزاتٍ لا تنفد...، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلّم. اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم... ونعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن دعوة لا يُستجاب لها.

فهذا هو كتاب الله عزّ وجلّ يتحدَّى أرباب البلاغة والبيان في زمن نزوله فيعترفون بعجزهم عن الإتيان بمثله، ويدركون أن هذه البلاغة لا يمكن لبشر أن يأتي بمثلها. لذلك تجلّت معجزة القرآن في ذلك العصر بشكلها البلاغي لتناسب عصر البلاغة والشعر والأدب. وليكون لها الأثر الكبير في هداية الناس إلى الإسلام.

فمن  منا لا يذكر قصة إسلام سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما سمع آياتٍ من سورة (طه) فأثّرت فيه بلاغة معانيها، وأدرك من خلال هذه البلاغة أن القرآن هو كلام الله عز وجل، فانقلب من الشِّرك والضلال إلى التوحيد والإيمان! هذا هو تأثير المعجزة البلاغية على من فهمها وأدركها. فالقرآن أعجز بلغاء العرب وفصحاءهم وخضع له أرباب الشعر والبيان واعترفوا بضعفهم أمام أسلوبه وبلاغته وبيانه في عصر البلاغة.

وعندما جاء عصر المكتشفات العلميّة تمكّن العلماء حديثاً من كشف الكثير من أسرار هذا الكون، وكان للقرآن السّبْقُ في الحديث عن حقائق علميَّة وكونيَّة لم يكن لأحدٍ علم بها وقت نزول القرآن، وهنا تتجلّى معجزة القرآن بشكلها العلمي لتناسب التطور العلمي في العصر الحديث. وربما نسمع من وقت لآخر قصة إسلام أحد الغربيّين بسبب إدراكه لآية من آيات الإعجاز العلمي في كتاب الله عزَّ وجلَّ.

ومن هؤلاء أحد أكبر علماء الأجنّة في العالم: (كيث مور)، عندما أمضى عشرات السنين في اكتشاف مراحل تطور الجنين في بطن أمّه، فإذا به يفاجَأ بأن القرآن الكريم قد تحدث عن هذه المراحل بدقة تامة قبل أربعة عشر قرناً!! فأدرك عندها بلغة العلم أن القرآن ليس من عند بشر بل هو كلام ربّ البشر سبحانه وتعالى! وهذا هو تأثير الإعجاز العلمي على من يدركه ويفهمه ويراه .

واليوم ونحن نعيش عصراً جديداً يمكن تسميته بعصر التكنولوجيا الرقمية نتساءل: بما أن الله تعالى قد نظّم كلّ شيء في هذا الكون بنظام مُحكم، فهل نظّم كلّ شيء في كتابه بنظام مُحكم؟

سوف نرى من خلال مباحث هذه الموسوعة أن آيات القرآن وسوره وكلماته وحروفه قد نظّمها الله تعالى بنظام يقوم على الرقم سبعة، كدليل على أن هذا القرآن صادر من ربّ السَّماوات السَّبع!

ويجب أن نؤكّد وبقوّة أن معجزات القرآن  البلاغيّة والعلميّة والكونية والطبية والتشريعيّة والغيْبيّة....وغير ذلك من وجوه الإعجاز، لازالت مستمرة ومتجدّدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وما البناء الرقمي الذي نراه اليوم، إلا قطرة من بحرٍ زاخرٍ بالمعجزات والعجائب والأسرار- إنه بحر القرآن العظيم الذي قال عنه حبيبنا وسيدنا محمّد صلوات الله عليه وسلامه: (ولا تَنقَضِي عَجَائِبُهُ) [رواه الترمذي].

يتميّز كتاب الله تعالى بأنه كتاب مُحكَم، فكلّ آية من آياته تتميّز ببلاغة كلماتها ودقّة معانيها وقوّة أسلوبها، بالإضافة إلى ذلك هنالك إحكام مذهل في تكرار الكلمات والحروف! إذاً نستطيع القول بأن الإعجاز الرقمي القرآني هو العلاقات الرقمية بين حروف وكلمات وآيات وسور القرآن الحكيم، والتي وضعها الله في كتابه لتكون برهاناً ماديّا ملموساً لأولئك الماديين، على أن القرآن كتاب الله تعالى.

وينبغي علينا أن ندرك بأن القرآن وإن كان كتاب هداية فإن الهداية تتخذ أسباباً، ومثل هذا البحث هو نوع من أنواع التثبيت والهداية، فقد تكون لغة الأرقام أحياناً أشد تأثيراً وأكثر إفصاحاً من لغة الكلام!!

يعدّ الإعجاز الرقمي أسلوباً جديداً للدعوة إلى الله تعالى بلغة يفهمها جميع البشر على اختلاف لغاتهم، والمؤمن هو من سيقوم بإيصال هذه المعجزة لغير المؤمن، لذلك لا ينبغي له أن يقول إن القرآن ليس بحاجة إلى براهين رقمية أو علمية أو لغوية، لأن المؤمن الحريص على كتاب ربه لا يكتفي بما لديه من العلم، بل هو في شوق دائم لزيادة علمه بالكتاب الذي سيكون شفيعاً له أمام ربه يوم القيامة.

وهذا هو سيدنا إبراهيم عليه السلام يطلب من ربه أن يُرِيَه معجزة يرى من خلالها كيف يحيي الله الموتى فقال تعالى: (أََوَلَمْ تُؤْمِنْ ؟)، فأجابه سيدنا إبراهيم بقوله: (بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي...) [البقرة: 2/260]. وسبحان الله! يريد مزيداً من الاطمئنان واليقين بالله تعالى! فإذا كان هذا حال خليل الرحمن عليه السلام، فكيف بنا نحن اليوم؟ ألسنا بأمسِّ الحاجة لمعجزات تثبّتنا على الحق والإيمان واليقين؟

وتأمَّل معي هذه الدعوة: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء: 4/82]، فإننا نلمس  فيها إشارة واضحة ودعوة صريحة لتأمُّل التناسق والنظام في كلام الله تعالى، وتمييزه عن العشوائية والاختلاف في كلام البشر، لنستيقن بأن هذا القرآن كتاب الله عزّ وجلّ؟

في هذه المجموعة من الأبحاث العلمية القرآنية سوف نعيش مع رحلة ممتعة في رحاب حروف وكلمات وآيات وسُور القرآن الكريم. وسوف نكتشف بأن القرآن أكبر وأعظم مما نتصور، كيف لا وهو كتاب رب العالمين تبارك وتعالى؟

وسوف يكون منهجنا في الموسوعة منهجاً ثابتاً وعلمياً من أول صفحة وحتى آخر صفحة، وسوف نرى بأن جميع أرقام القرآن مُحكمة وتنضبط بحساب رقمي دقيق، وأنه لا مجال للمصادفة في نتائج هذه الأبحاث، بل هنالك معجزات مذهلة في كتاب الله تعالى.

إن لغة الأرقام هي لغة التوثيق، فعندما ندرك أن كل حرف في كتاب الله تعالى قد وُضِع بميزان دقيق ومحسوب، فإن نقصان أو زيادة أي حرف سيُخِلّ بهذا الميزان. إذاً لغة الأرقام هي اللغة التي نستدل بها على أن الله تعالى قد حفظ كل حرفٍ في كتابه إلى يوم القيامة، وقال في ذلك: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 15/9].

عدد سكان العالم اليوم هو ستة آلاف مليون، وهؤلاء في معظمهم لا يفقهون اللغة العربية. والقرآن لم يَنْزِل للعرب فقط بل نزل للناس كافة، والرسول الكريم  صلى الله عليه وسلّم هو رسول الله للعالمين ليبلِّغهم رسالة الله تعالى القائل: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) [الفرقان: 25/1]. والسؤال: أليست اللغة التي يفهمها اليوم كل البشر هي لغة الأرقام؟

إن الله تعالى قد أنزل القرآن وبيَّن فيه كل شيء وقال: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل: 16/89]. هذه الآية تؤكد أن القرآن يحوي كل العلوم بل يحوي كل شيء: (تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ)، ووجود علم الرياضيات في القرآن هو دليل على صدق كلام الله تعالى وأن القرآن كتاب عالميّ.

إن هذه المعجزة جاءت لتؤكد أن القرآن هو بناء عظيم يقوم على الرقم سبعة. وإن وجود هذا الرقم بالذات هو دليل على وحدانية الله. فإذا علمنا أن كل ذرة من ذرات هذا الكون عدد طبقاتها سبع، وعلمنا أن كل حرف في كتاب الله تكرر بنظام يقوم على الرقم سبعة، فلا بدَّ عندها أن ندرك أن خالق الكون سبحانه هو نفسُه الذي أنزل القرآن!

ويمكن القول بأن المهمة الأصعب للإعجاز الرقمي هي إثبات أنه لا يمكن لأحد أن يأتي بمثل هذا القرآن أو بمثل سورة منه. وحيث تعجز وسائل اللغة عن تقديم براهين مادية على ذلك، فإن النظام الرقمي الذي نكتشفه اليوم هو برهان ملموس على صدق كلام الحقّ سبحانه وتعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) [الإسراء: 17/88].

فمن خلال المباحث القادمة سوف تتراءى أمامنا عَظَمة هذا النظام البديع، وسوف نتبع المنهج العلمي والشرعي في استخراج الحقائق الرقمية من داخل القرآن دون أن نقحم أي رقم من خارجه.

وسوف نبدأ مباشرة برؤية بعض أسرار الرقم سبعة في القرآن والكون والحياة وأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، وذلك من خلال البحث الأول في هذه الموسوعة: أسرار الرقم سبعة في القرآن الكريم. في هذا البحث سوف نرى بعض التناسقات المذهلة لعبارات وكلمات قرآنية مع الرقم سبعة. هذا التناسق لم يأت عن طريق المصادفة أبداً. ولكن السؤال كيف يمكن للقلب أن يطمئن لنتائج هذه الأبحاث وغيرها؟

والإجابة عن هذا التساؤل هي عنوان البحث الثاني في هذه الموسوعة وهو  ضوابط الإعجاز الرقمي في القرآن الكريم. والذي تناولنا من خلاله الأسئلة والانتقادات التي تواجهها أبحاث الإعجاز العددي اليوم، وأجبنا عنها بكل وضوح وصراحة. وبينَّا ما لهذا العلم الناشئ من حق علينا، وكذلك بينّا الأشياء الواجب الالتزام بها من قِبل من يبحث بهذا العلم ليكون بحثه مقبولاً ويمثل معجزة وليس مصادفة.

وقد حدَّدنا في هذا البحث منهج العمل في الموسوعة، والأساس الرياضي الذي استندنا إليه في استنباط المعجزة القرآنية الجديدة. ونذكِّر دائماً بأن أي بحث قرآني يجب أن يقوم على أساس شرعي وعلمي، وأن الأخطاء والهفوات التي نراها من بعض الباحثين في الإعجاز الرقمي اليوم سببها الرئيسي هو عدم التزامهم بالمنهج العلمي الصحيح للبحث.

ثم بدأنا بما بدأ الله به كتابه بأول آية من القرآن الكريم: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)  من خلال المبحث الثالث: في رحاب أول آية من القرآن الكريم. وفي هذا البحث سوف نرى معجزة حقيقية تتجلّى في أربع كلمات! فقد جاءت حروف وكلمات هذه الآية العظيمة بتناسق مبهر مع الرقم سبعة أكثر من سبعين مرة!

في البحث الرابع نرى أسرار وعجائب: أجمل كلمة في القرآن الكريم! وهي كلمة (الله) تبارك وتعالى. وتتجلَّى في حروف هذه الكلمة توافقات تذهل العقول لدقة إحكامها وروعة بنائها وجمال توزّعها وترتيبها عبر آيات وكلمات وسور كتاب الله تعالى. إن وجود نظام محكم لاسم (الله) جلَّ وعلا في كتاب الله هو بمثابة توقيع من الله على صدق كلامه وصدق رسالته!

ونبقى من خلال البحث الخامس في هذه الموسوعة: رحلة مع أعظم سورة في القرآن الكريم، نبقى في أول القرآن في رحاب فاتحة الكتاب، لنكتشف بناءً مُعجزاً يقوم على الرقم سبعة ومكرّراته في السورة التي سمَّاها الله تعالى بالسَّبع المثاني، وجاء فيها تكرار حروف اسم (الله) ليساوي بالتمام والكمال سبعة في سبعة!!

وفي البحث السادس من هذه الموسوعة التي أسأل الله تعالى أن يجعل فيها العلم النافع، لم نذهب بعيداً عن أول القرآن بل ركَّزنا هذا البحث في أول حروف مميزة في القرآن: (الـم) وأسرار الحروف المميزة في القرآن الكريم. وفي هذا البحث محاولة لكشف سرّ هذه الحروف التي وضعها الله تعالى في أوائل بعض سور القرآن، لتشكل بناءً محكماً يقوم على الرقم سبعة. خصوصاً أن عدد هذه الحروف عدا المكرر هو أربعة عشر حرفاً، أي سبعة في اثنان، والافتتاحيات المتشكلة منها عدا المكرر تساوي نفس العدد أي أربعة عشر، وهذا العدد من مضاعفات الرقم سبعة.

أما أسماء الله الحسنى فقد تبيَّن أنها تتجلَّى في العديد من سور القرآن، وفي البحث السابع نرى عجائبَ لا تنتهي في السورة التي أقسَمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها تعدِل ثُلُث القرآن، إنها سورة الإخلاص والتوحيد وتنْزيه الله تعالى عن الولد والشريك، لذلك تتجلَّى في هذه السورة العظيمة صفات الله ووحدانيته وحروف أسمائه الحسنى.

البحث الثامن خصصناه لدراسة إعجاز حروف القرآن والرقم سبعة، وتناولنا العديد من الآيات ومقاطع الآيات والنصوص القرآنية والتي جاءت حروفها بالتناسب مع الرقم سبعة. وهذا البحث يؤكد أن الإعجاز لا يقتصر على سورة أو مجموعة آيات فقط، بل كل ما في القرآن هو مُعجز ومُبهر. وقد أثبتنا بلغة الرقم وجود إعجاز لرسم حروف القرآن وأن هذا الرسم من عند الله تعالى ولا يجوز تغييره أبداً.

ولكن ماذا عن أرقام الآيات وتسلسلها؟ هذا هو عنوان البحث التاسع: إعجاز آيات القرآن والترتيب المحكم لأرقام الآيات. وفيه نكتشف أسرار تكرار كلمات القرآن وأن كل كلمة تتكرَّر في القرآن بنظام سباعي مُحكم وأنه لا وجود للمصادفة في كلام الله تعالى.

وحتى تسلسل السور وترتيبها نجد فيه إعجازاً واضحاً، وهذا ما قمنا ببحثه من خلال أمثلة غزيرة في البحث العاشر: إعجاز سور القرآن والنظام المُحكم لترتيب سور القرآن. وسوف نكتشف في فقرات هذا البحث أن الكلمة القرآنية تتكرر بنظام بياني وعددي!

ثم نعيش مع بعض أسرار القصة القرآنية: تكرار أم إعجاز؟ من خلال البحث الأخير، والذي نرى في أمثلته التي اخترناها من قَصَص القرآن إجابة عن سؤال طالما حاول المشككون بالقرآن إثارته: لماذا تتكرر القصة ذاتها في العديد من سور القرآن؟ وفي هذا البحث يتبين لقارئه الحكمة من تكرار قصص القرآن، وأن هذا التكرار يخفي وراءه معجزة ربما نرى جزءاً منها في أبحاث قادمة بإذن الله تعالى.

بقي أن نشير إلى أن الإعجاز الرقمي في القرآن الكريم لا يقتصر على الرقم سبعة، بل هنالك إعجاز مذهل يقوم على الأرقام الأولية مثل الرقم 11 والرقم 13 وغيرها من الأرقام التي لا تنقسم إلا على نفسها وعلى الواحد كدليل على وحدانية منظِّم هذه الأرقام! وهذا ما سنراه في أبحاث أخرى إن شاء الله تعالى، وحسبنا أننا سنعيش في هذه الموسوعة مع أكثر من 700 حقيقة رقمية جاءت جميع الأعداد فيها من مضاعفات الرقم سبعة!

رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

Top